المرافقة – رغم بساطتها الا انها فعل يعني الكثير،

حلم – مرافقة – قيم

نظرات الذهول في عيون طفل يبلغ من العمر عشر سنوات تؤكد على ان الرحمة تسمو على الحكم.

في اليوم الأخير من المخيم الصيفي، كان هنالك خمسون طفلاً من شتى اماكن الصراع في لبنان يقضون أوقاتهم معًا. كنت في استشارة خاصة مع ملحم، مؤسس حركة الشباب هذه، وكنا قد خصصنا يومًا كاملاً للوصول إلى جوهر القرارات الحاسمة في حياته المهنية. خلالها سمعنا طرقًا على الباب. تنهد ملحم. “نعم؟ ادخل.”

دخلت رئيسة المسؤولين في المخيم مع أحد أطفال المخيم اسمه إسماعيل والبالغ من العمر عشر سنوات وقالت: “لقد كان يشتم ويضرب الأطفال الآخرين مرة أخرى”، وتركته معنا وغادت الى الضوضاء الخارجية، تاركة إسماعيل معنا.

عرفني ملحم على إسماعيل وتصافحنا ثم عرض عليه كرسيًا فجلس اسماعيل بينما هو يحدق في الأرض ويتململ بصمت.

بعد فترة من السكوت، سأله ملحم، “مرحبًا، هل يمكنك القدوم إلى هنا ومساعدتي في إعادة لف شريط الفاكس الخاص بي بهذه الطريقة؟ فهز إسماعيل رأسه موافقاً وبدأ يلف الشريط بعناية.

واصلنا انا وملحم مناقشتنا وبعد عشرين دقيقة تقريبا، أنهى إسماعيل مهمته ونظر إلى الأعلى.

سأله ملحم “هل كان يزعجك أحد اليوم؟”  أجاب إسماعيل: لا. ملحم: هل يوجد هناك مشكلة؟ إسماعيل: لا.

ملحم: هل تحب المخيم؟ إسماعيل: نعم. ثم رفع ملحم ثلاثة من أصابعه وسأل اسماعيل: “ماذا يعني هذا؟” صاح إسماعيل بكلمات: “محبة، تسامح، احترام!”

فتش ملحم في أدراج مكتبه واخرج كيس من الحلوى وقال لإسماعيل “فعلا إنك ساعدتني في لف شريط الفاكس، شكرا لك، وهذه بعض من الحلوى التي أحب ان أشاركها مع أصدقائي “.

حدق فيه إسماعيل متسائلاً، ستعطيني حلوى بدل من الضرب؟

أخذ إسماعيل قطعة واحدة مبدئيا. ثم سأله ملحم: ألا تريد المزيد؟ فهز اسماعيل رأسه موافقاً بعيون متسعة. “هيا خذ كل ما تريد.” أخذ إسماعيل المزيد بحذر شديد. ثم قال ملحم: الآن، ضع تلك الحلوى في جيبك وعد إلى زملائك وتذكر: محبة، تسامح، احترام. هل يا ترى تمكن ملحم من إصلاح حال هذا الفتى؟ ليس بعد.

تلقينا نقرتين إضافيتين على باب ملحم في ذلك اليوم، أولا، زجاج محطم ثم سلسلة من الكتابة على الجدران ثم جلستين إضافيتين مع إسماعيل.

تساءلت: “هل ملحم قادر على ان يؤثر في هذا الطفل؟”. في الجلسة الثالثة، طلب ملحم من إسماعيل أن يروي له قصة حياته والتي كان يصعب سماعها، ناهيك عن استيعابها.

ولد إسماعيل في منطقة طائفية. وكان أحد الناجين من إطلاق النار والسيارات المفخخة. بدأ العمل في سن الثامنة، لم يحلم قط بالمدرسة. وظيفته اليومية كانت ذبح الدجاج. راتبه؟ عشرين دولارًا تدفع لوالده في الأسبوع، ثلاثة منها لإسماعيل، قيمة زهيدة مقابل الدم والذبح وبدون يوم عطلة.

كيف يمكن لإسماعيل ورفاقه اكتشاف معنى كلمات مثل المحبة والتسامح والاحترام؟ فهل تظل هذه الكلمات مجرد كلمات حتى نتمكن من العيش مع هؤلاء الأطفال على الجانب الآخر من الخلل في لبنان. ان هذا ما تهدف الى تحقيقه هذه الحركة الاجتماعية، بتحويل الأقوال إلى أفعال. وهؤلاء المستهدفين الى أخوة. وهذا ما يسمى “بفرحة العطاء“.

كنت اشاهد تلك الفرحة على وجه اسماعيل وهي تخفف من الندوب التي حفرها فيه عقد من العنف. لقد ابتهج بالمحبة التي وجدها بالمعسكر الصيفي والذي افرحه كثيرا. فعندما اندلعت ردة فعل اسماعيل الغاضبة، وحصل على المسامحة بدل من التأنيب وعلى الاحترام بدل الذل والمهانة مكنته هذه التجربة من فهم معنى المحبة والتسامح والاحترام والخدمة بكرامة. هذه هي فرحة العطاء. ونسميها “مرافقة”. يداً بيد، يومًا بعد يوم، يوم استراحة، في السراء والضراء. وهذا كان ما استمتع به حقا إسماعيل في المخيم هذا لصيف. وكان هذا ما اختبره الحالمون مثل ملحم معنا هذا العام.

ان الأعمال البسيطة والعميقة تؤدي إلى التغيير.

العنوان

     دريمز انديد - احلام بالفعل

      ص.ب 5091 عمان 11183 الاردن

 

البريد الإلكتروني

عمان - الاردن

 

Download  الخصوصية محفوظة